أنات الذاكرة الرقم العجيب ٥ في مهنتي اجتهدت أن أكون متميزاً ، علماً و عملاً اعتماداً على النفس و جهدي المتواصل الذي استهلك عمري و طاقتي، من سفر و مؤتمرات وبحث في كل ما هو جديد و متقدم في مجالي العلمي، وتفاني المتواصل في الإعتناء بمرضاي جسدياً و نفسيا و إنسانياً، بغض النظر عن جنسية أو جنس أو عمر مرضاي ، وكنت دائماً صريحاً و مستقيماً معهم بغض النظر عن رغباتهم أو رغبات من حولهم ، المهم أن أقدم لهم نصيحتي و علاجي بأفضل صورة ممكنة وضمن أفضل ما هو متاح من إمكانيات علاجية. وقد وصلت أخباري للآفاق القريبة و البعيدة ضمن نطاق من عرفتهم أو عالجتهم، بدون دعايات إعلانية مقروءة أو مرئية ، فقد كنت ضدها دائماً لما فيها من شبهات و ما تحمله من ابتذال و تشبيه المهنة بمختلف اشكال التجارة . كان الناس والمرضى يتوافدون طلباً لاستشاراتي في العيادة او المستشفيات ، منالأقطار القريبة و البعيدة على السواء. الكثير منهم متنفذون في أقطارهم ، وحاولوا معي جاهدين ان يستميلوني للذهاب معهم الى بلدانهم لابتداء مشاريع طبية عندهم تحت إشرافي ، بكل ما تحتاجه هذه المشاريع من إمكانات مادية ، مع وعود مؤكدة بحصولي على جنسية بلدانهم و أرقمهم الوطنية بكافة حقوقها المدنية. الحقيقة أن نفسي كانت تميل أحياناً لأفعل ما يقولون و أستجيب لرغباتهم ، ولكن فقط لأحس ولو لمرة واحدة ما يحس به أصحاب الأرقام الوطنية ، و ما يقدمه هذا الرقم المجرد من أحاسيس و مشاعر و ما يستثير من هرمونات في جسد حامله ، ومدى قدرته و تأصيره في سلوك الأفراد في علاقاتهم مع بعضهم و مع دولهم . ولكنني كنت دوماً أجيبهم جواباً واحداً لا أغيره و لا أغير قناعتي به، أنني ترعرعت هنا في طفولتي و صباي و كهولتي ، من ماء هذا البلد شربت و من طعامه أكلت و في مدارسه و جامعته درست و على ترابه مشيت وهواؤه قد تشبعت به أنفاسي ، فلم اعرف وطناً غيره رغم غربتي فيه ، و غربة أبنائي الذين ولدوا على ترابه ، و رغم ظلم بعض أبنائه لنا ، لا أستطيع فراقه حتى لو كان الثمن رقماً وطنياً . وكان من ضمن من عالجتهم ، الكثير من كبار الرقباء و ذويهم في هذا البلد بعد أن أعيتهم مسيرة علاجهم غير الموفقة ، وكان الجميع ممتنين لجهودي ، وعادة ما يختمون فترة علاجهم عندي بالدعاء داعين الله أن أستمر ذخراً لهذا الوطن !!!. فأكتفي بالتنهد و الإبتسام و إلقاء السلام على الوطن.