مكان اخر، ثم انحنى الى الأمام قائلا : ولكن يا أبني هذه دراسة خطرة،وليس لها مستقبل في بلادنا العربية!ماذا ستعمل عندما تعود؟ ام انك لا تنوي أن تعود؟
وبدون تردد اجبت : طبعا سأعود ، سأعود لخدمة شعوبنا وأمتنا العربية!!
تململ الرجل في مقعده وبدا كأنه يبحث في الأوراق أمامه من غير هدى عن دليل يثبت كذبي، ثم نظر الي نظرة حزن واشفاق وقال: الم تسمع عن العالم العراقي الذي قتلته المخابرات الأمريكية ؟ ألم تسمع عن العالم المصري الذي قتل بالسم؟ الم تسمع عن العالمة المصرية التي اغتيلت في المانيا؟ الم تسمع عن العالم فلان الذي أسقطت به الطائرة؟ الم.....الم...، أسئله كثيرة ألقاها على مسامعي التي أصيبت بالصمم وحل مكانها فراغ كثيف افقدني الحواس كل هؤلاء كانو علماء ذرة عرب لم أسمع بأحد منهم قط ،قتلوا واحدا تلو الاخر .
ذهبت كل محاولاتي للنقاش او حتى الرد ادراج الرياح ،فقد انعقد لساني ملتصقا بحلقي الجاف، حينما
بدأ رأسي يدور وارتعدت فرائسي وتخدرت قدماي وأنا أُلملم أوراقي ومجلتي بيدين مرتعشتين ، متسمرا في مقعدي متمنيا لو أن لي الان جناحين أطير بهما عابرا النافذة الى حضن أبي، ولكن كيف وأنا أحس بأن كل مخابرات العالم تلاحقني بعيونها وقد اكتُشِفَ امري، بل ربما أن هذا المدير هو نفسه احد رجالهم وقد دسوه في هذا المكان كي يكتشف العلماء قبل أن يولدوا ، وبكل ما أملك من قدرة وارادة استطعت أن اقف على قدمي ، لأغادر هذا المكان مسرعا بحلاوة الروح ،نحو درج العمارة دون القاء تحية الوداع فيكفي ما انكشف من أمري حتى الان ، لأبدأ رحلة النزول الطويل عن الدرج الملعون الذي يزداد طولا كلما قطعت بعضا منه، متلفتا في كل اتجاه لعل احدا ما يلاحقني ، حتى استطعت أن أتجاوز العتبات الى الفضاء الخارجي وعيناي تدور كعقرب الساعة تمسح كل شيء ساكن او متحرك ، الشبابيك والسيارات والمارة وحتى حاويات النفايات والأشجار، وأحسست ان كل شيء حولي بدا صامتا وساكنا مجللا بالسواد وتطل باتجاهي ومن حولي مئات العيون المتفحصة،وبكل قوة لا اعلم كيف ، نزلت الشارع الى وسط المدينة لأغيب بين جموع الناس المارة والمختلطة من كل اتجاه بعيدا عن الانظار ومتعمدا التغيير في اتجاهات حركتي بأسلوب أفعواني، ورفعا وانخفاضا.ولم يتبقى من اثرٍ لي غير مجلة العربي الملقاة خلسة على الرصيف تتقلب صفحاتها بهبات الهواء المندسة بين الأجساد المتحركة لتتقاذفها
. اقدام المشاة تاركة على صفحاتها بصماتها السوداء
د. رياض ابو طالب