لجوء.
مشيتُ حيثُ ينتظرُ القطار.
ببنطال قصير وكعكةٍ من تمر.
و حقيبةٍ ملأى بخيط و صفحات الكتاب.
و بضع أشياءٍ تُقاومُ الاحتضار.
جلستُ أرشفُ قهوتي المُرة.
كل حينٍ رشفتين.
و أذاكرُ أسماءَ أجدادي و أحلامَ النهار.
هُناكَ رأيتُها.
و سبعةَ أضرحةٍ و قنديلَ بحر.
و مئذنةًً تُطلُ على الجدار.
حين لمحتها ذَرَفتُ من عيني دمعتين.
و ذكَرتُ اسمها همساً نوبتين.
سوسنتي تُراقبُ الافقَ البعيد.
باهاتٍ و شوق و انكسار
الموج يحبو نحوهاً كأسنمة العشار.
لِيُسكَبَ عند ساقيها.
فيُولد من جديد ....
كالبُسط تُفرشُ و الوِثار
هي ما تبقى من خيالاتي الحزينة.
و بعضاً من حكاياتي و لسعات الجمار.
قالت: هذه المرة أين تمضي ؟
فالشوكُ يمضي حيثُ تمضي !
ووحوشُ البحر تربُضُ في الجوار.
ما أصعب ان تعشق وطناً ( يا ولدي )
مسلوباً محروس الأسوار.
قلت : كيف للورد ان يعرفني رغم النوازل و الدمار؟
و الشمسُ تلفح جبهتي و هبَّات الغُبار.
قالت : أنتَ تأتي كل صيفٍ كرتين.
و أنا أُولَدُ من جديد كل صيفٍ مرتين.
لم أعُد أذكرُ كم جلسنا ها هنا.
غير أني أذكر خيطك الملفوفَ وصفحات الكتاب.
و حقيبةً ملأى بأنَّات الغياب.
قلتُ : سأصنعُ منها يوماً طائرةً.
كأجنحةِ العُقاب.
تحملني حين يشتد الريح و ينتشر الضباب.
أنا لستُ أذكرُ غير أني ما زلتُ مخفوراً.
مُضغةً في رحم أمي.
و حبلي السرّيُ كخيط طائرتي.
كالمعصمين يضُمُني.
قالت : كم ظلمتُكَ كل مرة !
بل ظلمتك كل يومٍ ألف مرة.
و تكادُ توقظ لي ضميري فتقتلني.
فالشوكُ أمضى حيثُ تمضي.
سألني الرقيبُ عن رقم هويّتي.
بعد نداءٍ و سؤالٍ وعتاب و حوار.
قلتُ: كيف أعرفُ لي رقماً.
و أنا أُولدُ كلَ ثانيةٍ كموج البحر.
رقمي طويل .... طويل كطول ذنوبكم.
و امتداد سنيني و أنيني و الحصار.
دع السوسنة تخبرك عني.
فأنا منها و هي مني.
و افترقنا بعد أن رحل القطار.
د. رياض ابو طالب