1 قراءة دقيقة
07 Feb
07Feb

تتمة....
قبل يومين من لقائنا الاخير طلب مني ان اجلس معه على انفراد وطلب من افراد اسرته ان يتركونا لوحدنا ، وان اجلس بجانبه ففعلت دون تردد، ربت بيده على يدي قائلا يشهد الله انني احبك. ثم همس باذني بضع كلمات مقتضبات، حاولت ان اتكلم لكنه وضع يده على فمي راجيا عدم الاعتراض.
اومأت له برأسي بالموافقة وعلى شفتي ابتسامة ممزوجة بالالم والشفقة، ثم استأذنني بالانصراف متثاقلا ولكنه غادرني هذه المرة محتضنا لي رابتا على كتفي وكأنه يودعني او يواسيني لا اعرف حقا ربما كليهما، ثم نظر في عيني قائلا هذه اقدارنا وهذا نصيبنا وما كتب الله لنا في هذه الحياة الفانية.
فيالساعة الثالثة فجرا رن هاتفي نظرت الى هاتفي متثاقلا ربما احد المستشفيات وفوجئت برقمه يظهر على الشاشة (لم يحصل ولا مرة واحدة طيلة هذه المدة ان اتصل بي في مثل هذا الوقت) سارعت بالاجابة بصوت متردد اهلا ابو ماجد خيرا، لكن المتحدث على الطرف الاخر لم يكن هو وبصوت مخنوق :انا ماجد دكتور والد تعب كثيرا ونحن الان في المشفى.
لم اشعر الا وسيارتي تقودني في الطريق الذي الفته لسنوات عديدة وفتحت باب العناية الحثيثة اسرعت الى سريره فورا وكانني اعرف مكانه دون تردد وجلست الجانبه الايمن ، كان الزملاء قد قاموا بما يجب قبل ان اصل العديد من انابيب السوائل والادويه المحفزة للقلب والضغط وغيرها جميعها تفقدتها خلال لحظات معدودات ولكن نبضات قلبه وضغط دمه كانا ضعيفين رغم كل تلك العقاقير.
امسكت بيده الباردة بكلتا كفتي، نظر الي بضعف شديد وبانتباه ملحوظ كأنه كان يبحث عني وفي انتظاري وقد علت وجهه ابتسامة ضعيفة وتنهد قليلا، حاول ان يحرك شفتيه العاجزتين ليرحب بي.
لا تتعب نفسك اخي ابو ماجد استرح قليلا، هل تحتاج لشيء ووضعت يدي على جبهته المتعرقة ، نبضك ضعيف قليلا ولكنه سيتحسن بعد قليل ، ضغط على يدي قليلا وكأنه يقول لي لا تهتم.حاولت ان اختلق بعض الكلمات لمواساته وبينما كنت افعل ذلك اعتدل قليلا برأسه الى الامام  وشخص ببصره الى الامام والاعلى في اتجاه واحد لا يغيره وكأنه يرى عرضا مسرحيا او سينمائيا اخذ كل انتباهه بحيث طغى على كل ما هو حوله، كان ينظر البعيد ابعد من الجدران والسقوف ولم يرمش مرة واحدة خلال الدقائق الخمس الاخير، كيف يعقل هذا خمس دقائق مرت كأنها عقود بمقياس زمني ليس كمقياسنا، خمس دقائق كاملة مرت دون رمشة واحدة لقد تعلمنا ان العين ترمش عشر مرات على الأقل في الدقيقة الواحدة ويزداد العدد عند تحفيز الدماغ او التواصل غير اللفظي مع الاخرين فأي معلومات تعلمنا مع كل هذا التناقض، ما نوع هذا التواصل الماثل امامي واي شيء احبط العقل لديه اسئلة كثيرة كانت تدور في راسي في لحظات مرت كالدهر، ةبدأت جفونه تتراخى وتنسدل شيئا فشيئا لتضيق فتحات عينيه كانسدال ستارة المسرح معلنة انتهاء العرض المسرحي الدنيوي الزاخر بالصخب والحياة والحركة وانتقال الممثلين للكواليس الخلفية التي لا يعرف المشاهدون عنها شيئا.
توقف القلب تماما واطبقت الجفون تماما، طلب مني الزملاء ان يقوموا بالانعاش فمنعتهم، نعم لقد لبيت له النصف الاول من الوصية لكني لا زلت غير واثق ان كنت قد لبيت له النصف الاخر.
قطعا هو كان يقصد ما فعلت حرفيا لكن الكلمات لها وجه اخر، وهذا ما يحيرني.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.