قصة قصيرة(الوداع الاخير)
(فبصرك اليوم حديد)صدق الله العظيم.
وكن معي.....
اي بني انني ادعوك هذه المرة لكي تقرأ ما اكتب، فهذه المرة لا اكتب هذيانالا افهمه ولكن اكتب عن الحقيقة الكاملةدون تزويق او تجميل.اكتب عن الالم سيد الفلاسفة اكتبعما لا تدركه الحواسمنقوصة القدرات ومحدودة الافاق، اكتبعما تلمسه الروححين تصفووحين تزول عنها غشاوةالحواس البدنية القاصرة.
في زمن ما تعرفت عليه في لقائنا الاول قبل سنة من الوداع الاخير، دخل الى عيادتيذات يوم شتوي بارد رجل لا تملك الا ان تطيل وقوفك اليه من النظرة الاولى احتراما لوقاره وهيبة قسماته وابتسامته النقية وكمال هندامه وعذب تحيته التي تحسها بقلبك قبل ان تتلامس كفك بكفه مسلما.
كان رجلا في العقد السابع من العمر(هكذا كان مدونا في ملفه الطبي) ترافقه زوجته وابنه وصبيتان يبدو عليهم القلق الذي تراه في نظراتهم المتردده بيني وبينه وكأنهم يرجون مني ان اتلطف به وامسح خوفهم قبل ان تبدأ الحكاية.
بعد ان اخذوا مقاعدهم تعمدت الانحناء اماما في مقعدي لازيدهم اهتماما وطمأنينة، كان الرجل يعاني من مرض خبيث منذ فترة ليست بالقصيرة وقد امتزجت خلياه الخليثة بجسده كامتزاج الروح وتم معلجته في بلاده وغي اوروبة مرات عده حتى يأس الجميع من حالته ونصحه الاصدقاء بالسفر الى عمان بحثا عن الامل. تلك الكلمة التي نبتديء ونختتم حياتنا جميعا بالبحث عن معنى لها ولا اظن اننا نددركه فنحن نبحث عنه في كل نشاط لنا في الحياة ولا نحسه ونبقى دوما نتشبث باهدابه الواهية دون وعي او ادراك ولكنه للعجب يمدنا بطاقة عجيبة تضمن استمراريتنا.
طبعا قمت بعمل ما يلزم من اجراات كما تتطلبه اصول مهنتي للتاكد مما ذكر في تقاريره العديدة حيث كان يتم معالجته وخلصت الى نتيجة انه في مرحلة متاخرة جدا وبعد استشارات عدة تبين ان ايامه في الحياة اصبحت معدوده وان كل ما يحتاجه هو الدعم الطبي والنفسي.
خلال هذه السنة قابلته وجلست معه مطولا في زيارات عديدة سواء في العيادة او المستشفى واصبح بيننا الفة وصداقة كنا نتبادل النقاش والاراء في السياسة والشعر والتاريخ، لقد كان على درجة كبيرة من الثقافة ودراية واسعةبالحياةونظرة بعيدة في العقيدة والفلسفة والمنطق والوجدانيات، في الحقيقة لقد كنت احيانا اشعر ان بعض زياراته لي لم تكن بقصد طبي يتعلق بحالته المرضية وانما لرغبة منه بالجلوس الي والتحدث معي فقد كان احيانا وقت زيارته لي في موعد يعلم انني اكون به اكثر تفرغا ولكنه دوما ما غادرني الا ويعتذر مني انه اخذ من وقتي الكثي فالومه على شعوره هذا وانه مرحب به وقتما وكيفما شاء.
في الاسبوعين الاخيرين عاد الى عمان ناويا البقاء فيها لاطول فترة ممكنة .خلال هذين الاسبوعين كنت اراه شبه يومي ورغم الاعياء الثقيل والضعف الشديد كان يظهر لي معنويات عالية رغم شعوره بوطأة ما هو مقدم عليه، وقد علمت انه ترك بعض العقاقير واصبح اكثر قربا بمن حوله واقل شرودا في جلساته بل اكثر ابتساما وضحكا ومجاملة لافراد اسرته. يتبع..