1 قراءة دقيقة
07 Feb
07Feb
  • أنات الذاكرة
  • رصيف(١)
  • أي بني، إنني أدعوك لتقرأ ما أكتب،فما أكتبه يكاد يكون هذياناً لا أفهمه.
  • في مرحلة ما من مراحل العمر المثقل بالوجع و براءة الحلم المشوب بالغموض ، و فورة الشباب النابض في العروق و قد اشتداد عوده الفارع ، أحس انه اصبح بإمكانه ان يتنقل منفردا و بدافعه الذاتي خارج نطاق الجغرافيا التي ألفها و يعرف دقائقها ، رغم ضيق مساحتها و محددات نطاق الحركة فيها ، ليتنقل في المساحات الأوسع التي يكتنفها الغموض ، كتلك التي كان يسمع عنها في حكايات الف ليلة وليلة فيسرح به الخيال بين عذوبة المغامرة و رهبة التوقع . وفي أول تجربة له ابتدأ سيره بطيئا بنظرات لا تنقطع عن الدوران في كل اتجاه ؛ ليجد نفسه يسير على الأرصفة الضيقة يلفه صخب المدينة الكبيرة و أفواج البشر السائرة في كل اتجاه.
  • وبغير موعد استوقفه شاب يرتدي زياً متناسقاً و بلون داكن و يعتمر قلنسوة جميلة ، لم يكن يشبه أحداً في زيه من المئات من البشر الذين يسيرون حوله في كل اتجاه .
  • سأله عن اسمه بصوت أجش بعد أن نحاه جانباً ، فأجابه باسمه الرباعي كما تعود ان يجيب المعلم في الصف المدرسي عند بداية كل سنة مدرسية، وم لبث ان طلب منه شيئاً يسمع عنه للمرة الأولى (بطاقة التعريف) فلم يفهم هكذا أجاب بهز رأسه مرتين باتجاه أفقي و رأسه منحنياً قليلاً كالمذنب، ثم انفرجت أساريره قليلاً عندما سأله عن مكان سكنه ، ليسهب في الوصف الدقيق لكل زاوية و بقالة وشجرة و حجر دون تلعثم و برأسٍ مرفوع.
  • لكن أكثر ما أدهشه سؤال الشرطي (وهذا ما عرفه لاحقاٍ) عن اسم والد جده، و بعد أن أخبره اسماء آبائه حتى الجد الخامس بترتيب دقيق و سلاسة و فخر، تنحى الرقيب قليلاً و أخرج دفتراً صغيراً قلّبَ صفحاته ببطء و كتب شيئا بحروف كبيرة و إمضاءه  سريعة كإمضائة  مربي الصف، و ناوله إياها. 
  • سأله ما هذه الورقة ؟
  • هذه مخالفة ، هكذا أجاب الرقيب.
  • و لِمَ المخالفة ؟ سأله مرتجفاً و مستغرباً!
  • لأنك تمشي على الرصيف.
  • و ما العيب في المشي على الرصيف ؟ و كل الناس تمشي عليه!
  • و ما لبث أن شعر بالدوار عندما أخبره الرقيب انه كان عليه أن يمشي بظل حائط الرصيف و ليس في وسطه.
  • وبذهول : ولماذا أنا من دون الناس ؟
  •  لأن من كانت هويته مروسة  بأربعة حروف (ن ا ز ح) يمنع مشيهم على الرصيف ، و مضى بعيداً .
  • وقف برهة صامتاً و قد اغرورقت عيناه ثم اسرع في سيره شارد الذهن ، حتى أحس بألم شديد في كتفه لينتبه كم كان ملتصقاً بالجدار. 
  •  
  •  
تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.