أنات الذاكرة رصيف (٢) منذ ذلك اليوم ، و أنا أسير مع الرصيف، بل ملتصقاً بالحائط و بظله، حتى إن مال ملت معه يمينا أو يساراً ، صعوداً أو هبوطاً ، وإن واجهتني عقبة ما كنت أقفز من فوقها كالقرد ، و ما أكثر العقبات في الطريق يا بني . كان الناس ينظرون إلي ، و أحس بأنهم باتوا جميعاً يعرفونني ، و يقرأون انفعالاتي و يعلمون من أنا و اسم والد جدي ، و حتى حروفي الأولى التي لا أعرفها، و يمضون في طريقهم و أنا في طريقي. رغم كل هذا إلا أنني كثيراً ما تمردت على قوة جذب الحائط نحو فضاء الرصيف الرحب ، ولكن بعيداً عن أعين الرقيب. ذات يوم كعادتي كنت ماضياً في سبيلي ، و إذا بجمهرة من الناس يهتفون بكلمات غريبة . قلت لنفسي : مالي و مالهم ، ماذا يهمني أنا.... و لكن فجأة ارتفع صوت أحدهم ، نظرت ، فإذا برجلين متقابلين يجادل كل منهما الآخر بصوت مرتفع ، وبعبارات غريبة لم أتبين منها سوى (ظل الحائط) وكان أحدهما هو نفس الرقيب ، عرفته عندما استدار صارخاٍ في وجه الآخر بكلمة من اربعة حروف أعرفها جيداً ، ليصمت الآخر منحني الرأس ، فأدركت أن الآخر مثلي ، أطلت النظر الى شدة انكساره ، عندها أظلمت الدنيا في عيني .