أنات الذاكرة رصيف ٣ كانت الأيام تمر متشابهة و برتابتها المعتادة، و مع مرور الزمن عقدت صداقة مع الرقيب ، فقد كان جزءاً من مساري اليومي دون انفكاك ،وكنت أحياناً أتقاسم و إياه شطيرة الزعتر التي تعدها أمي أو قنينة الماء ، فصار بيننا ألفة حذرة ، حتى أنني كنت احس ببعض الشوق اليه ، و كنت أحس به و أراه من بعيد يتلفت باحثاً عني اذا ما تأخرت قليلا عن موعدنا، فكان يبتسم حينما يراني قادماً ، و صرنا نتجاذب أحياناً أطراف الحديث فأسأله و يسألني عن حاله و أحوالي و دراستي و براعة أمي في إعداد الشطائر، و ذات يوم تجرأت و سألته بعد أن قضم قضمة كبيرة من الشطيرة ، الى متى سأبقى أقفز فوق الأرصفة ؟ كاد الرجل يغص باللقمة في حلقه و قد احتقن وجهه كالمختنق ، وقد ازدرد اللقمة بصعوبة بالغة ، سكت طويلاً ثم استدار و مضى ، و تركني وحيداً بلا جواب. شاهدت مرة برنامجاً تلفزيونياً عن الرجال الآليين ، بأعداد كبيرة ، متشابهون في كل شيء و كأنهم مستنسخون ، ينتظمون في خطوط مستقيمة و يستديرون بزوايا قائمة وبحركات أطراف رتيبة ، لا يلتفتون يمنة أو يسرة ، احسست أني منهم لا أختلف عنهم بشيء ،ربما فقط بالقفز ، و ربما هم أيضاً يقفزون مثلي. شد انتباهي رجلا آلياً بينهم ، خيل لي انني أعرفه و قد رأيته من قبل ، اقتربت من التلفاز اكثر و اقترب الفوج نحوي ، الرجل في منتصف المقدمة يقود الفوج ، التقت عيناي بعيني ، ألقيت التحية و مشينا معاً بانضباط و اتساق عجيب.