أنات الذاكرة الرقم العجيب ٣ حطت طائرة عودتي في المطار، في أول سفرة لي بالطائرة خارج البلاد، كم كنت متشوقاً لشوارع البلد و أهلها، وكم غمرتني السعادة عندما تنشقت الهواء الممزوج بالذكريات و الحنين، لم أصدق أن الطائرة استقرت على مدرج المطار، و تمنيت لو أن لي أجنحة أطير بها كالعصفور لأصل لحينا و شارعنا و بيتي ، وقفت على باب السلم انتظر دوري لتلامس قدمي الأرض التي أعشق و أذوب بها حباً . عندما دخلنا مبنى المطار ، اتجه جميع المسافرين و أنا منهم نجر أمتعتنا بخطىً سريعة كعشاق ينتظرون معانقة الحبيبة التي طال انتظارها خلف الجدران الإسمنتية، حتى و صلنا الى شبابيك مكاتب الأمن و ختم جوازات السفر، هناك تعمدت أن أتريث قليلا ، ووقفت محتاراً ، الشبابيك ، اثنان مكتوب عليهما بلوحة إرشادية لمن يحملون أرقاماً، و آخران لمن لا يحملون أرقاماً ، الى أي منهما يجب أن أتوجه؟ السؤال الذي جال في خاطري عمق حيرتي، فجميع المسافرين متشابهون، وكل منهم يعرف طريقه إلا أنا. وبعد تردد طويل قررت التوجه الى شباك من لا يحملون أرقاماً، لم يكن على الشباك غيري، قدمت جواز سفري للرقيب خلف الشباك، تفحصه مليا ثم نظر إلي بعين المستفهم و قال: لم أتيت الى هذا الشباك؟ تفاجأت بسؤاله، و أجبته بتلعثم : انا لا أحمل رقما ، وهذا الشباك لمن لا يحملون أرقاما! هز برأسه و أشار الى جواز السفر وقال: و ماذا تسمي هذا؟ جواز سفر ، قلت بلا تردد. ومن أين حصلت عليه؟ قلت : من الدولة اغلق جواز السفر و ألقاه إلي قائلا: اذهب إلى الشباك الآخر. حدثتني نفسي أن أكرر على مسامعه مرة أخرى أنني لا أحمل رقماً ، ولكن شعوري بالغبطة لأول مرة بعدم أهمية الأرقام بين من يعيشون على نفس التراب قد طغى على فكري وعقد لساني، و مضيت هامسا أشكرك أيها الرقيب.